أيام مع قبل الثورة , ومنحنى الأمل الذي كان يبلغ السماء ويعود للأقدام.
…………………….
هذه تدوينة مشتركة مع الصديق أحمد البخاري الذي عشنا مع بعض كثيرا من أحداث الثورة معا.
:::::::::::::::::::::::::
من ذكريات ثورة 17 فبراير
“كي نخلد تاريخ الثورة كما يجب ، ولكي يعي العالم ما حدث .. نكتب أنا وصديقي محمد أبو غرارة هذه الذكريات المشتركة التي عشناها معاً لأحداث ثورة الشعب الليبي المجيدة .. ثورة 17 فبراير ..”
ما كتبته أحمد البخاري .. باللون الوردي / ما كتبه محمد أبو غرارة .. باللون الأزرق ..
الجزء الأول : ( الحالات النفسية .. لما قبل الثورة الإسطورية ) ..
قبل بدء الثورة بأسبوع كنت والبخاري في لقاء مع الأصدقاء عمر الرقيعي وأخيه محمد والشهيد أحمد الكريكشي ,,وتحدثنا طبعا عن الثورة وأسعدني أن أصدقائي كلهم كانوا يتمنون حدوث الثورة …ودخلنا في نقاش حاد مع بعض الأشخاص الآخرين الذين كانوا يرفضون فكرة الثورة وكانوا من متبني فكرة “ليبيا الأمن والأمان”المعروفة.
كم كان الكريكشي وقتها متحمسا ,,يومها سمعت تلك النكة المحزنة المعروفة “أنه عندما سأل شخص أمريكي شخص ليبي عن أحلامه , أجاب الليبي : أحلامي تعليم جيد وبيت , ومرتب محترم ” فقال الأمريكي: يبدو أنك لم تفهم سؤالي , أنا كنت أسألك عن أحلامك وليس عن حقوقك كإنسان ومواطن”
لن أنسى هذا اليوم ما حييت .. يوم قال الشهيد ” أحمد الكريكشي ” .. لو خرج في هذه الثورة شخص واحد .. سأكون الثاني .. وبالفعل هذا ما حدث ..
أذكر هذه الليلة تماماً .. كما أتذكرك الآن .. كنت عائداً من مصر .. وشاهداً على ثورة مصرية .. أذكر أيضاً أنه حينما حدثت الإحتجاجات في تونس لم أنم يومين متتاليين .. أذكر أيضاً أنني كنت أسعد الناس بهرب بن علي ..
في تلك الليلة .. وقبل الثورة بإسبوع .. كنت مع الصديق محمد بوغرارة .. أكثر الملاصقين لي في بداية الثورة الليبية .. وكنا نزور رفاق الإبداع ” أحمد الكريكشي وعمر الرقيقي وأخوه محمد الرقيعي ” .. وكنا نتحدث عن التحضيرات لحفل مشروع بصمة .. وكيف كنا متحمسين .. أيضاً تحدثنا عن الثورة المصرية وكنا معجبين بها جداً .. كان هناك شخص لن أسميه إلا بالأمعة .. يدعي أنه من أصدقاء الشباب .. كان يناقشنا أن دولة القذافي بدأت تتجه لمراعاة حقوق الإنسان .. وأن ثورة مصر وتونس.. الفوضى كما يسميها .. يقودها الرعاع .. بعد إستشهاد صديقي أحمد .. عاهدت نفسي أن يكون بيني وبي هذا الشخص ثأر .. ولو وجدته في أي مكان .. سأحطم وجهه بقبضتي .. ولنستوعب بعدها فكرة حقوق الإنسان ..
في يوم 14 خرجت فكرتنا للنور, كانت فكرة البخاري وفكرتي أننا يجب أن نكون متحرضين للثورة لو حدثت وندعمها بكل ما نستطيع .
وبالنظر للثورتين الناجحتين التونسية والمصرية ,,كانت الوسيلة هي الانتر نت والشبكات الاجتماعية ,,,ومن هنا كانت فكرة إنشاء صفحة في فيس بوك لتكون صفحة نشر أخبار الثورة ومتابعتها.
وكانت فكرتنا أن أفضل شيء أن يحدث ما حدث في تونس ومصر ,, أن تقوم الثورة مطالبة بإصلاحات في شتى المجالات الحقوقية والإقتصادية وغيرها ,,ثم تتطور ويرتفع سقف مطالبها , كما حدث في باقي الثورات..
بعد هذه الليلة كنا نغلي .. لابد أن نفعل شيئاً .. لابد ان نصنع الثورة .. كما ستلاحظون لاحقاً .. كنا سذج لعدم توقعنا أن النظام القذافي سيواجهنا بهذا العنف .. فكرنا في فتح صفحة .. وأكاونت على الفيس بوك لنعلن من خلاله الثورة …والتمرد .. وكانت فكرتنا أن نضع مطالب أهمها ” عزل كل المسؤوليين الحاليين ” .. ليمسك البلد العسكر أو ما يسمى مجلس قيادة الإنقلاب .. في فترة إنتقالية لحين الدخول في إنتخابات .. ” أحمد الله أنهم لم يستجيبوا لهذه الطلبات ” .. وبالفعل .. خرج أكاونت ” شاب ليبي بسيط ” .. بمطالبه .. ولأجد بعد أربعة وعشرين ساعة فقط .. محمود شمام يتبنى مطالبي وصفحتي على الفيس بوك ويعرضها على الناس .. كان يساعدني في إدارة الصفحة بحيث لا يتم سجني أو إعتقالي .. وبالموازاة إعتقال محمد بو أغرارة .. أصدقاء لي من جميع دول العالم .. كان هناك علاء من مصر .. إبراهيم خليل من السودان .. عصام أزيمي من الجزائر .. والمدون المعروف نوفل أبو شعرة من المغرب .. وقد ساعدوني كثيراً في إدارة الصفحة ونشر ما أريده قبل أن يقطع النت ..
واندلعت الثورة من بنغازي , وكما حدث مع الجميع كانت الأخبار شحيحة, تسمع أخبار فضيعة عن أعداد الشهداء .
يوم الإربعاء 16 فبراير , خرجت مع البخاري في سيارته , كنا نعاني من التوتر الشديد وسخط وغضب بسبب الأخبار الدامية القادمة من شرقنا الحبيب.
خرجنا ونحن نأمل في أن يحصل شيء ما ..
ذهبنا للظهرة لصديق البخاري الصحفي البطل الوحيشي, وعندما وصلنا لشقته اكتشفنا أنه ليس هناك وعندما اتصل به البخاري رد عليه صارخا ” روح يا أحمد معادش تدورني ,,,أني في فشلوم”
لحقنا به إلى هناك ,,وصلنا للإشارة الضوئية هناك , وكان الأمر أشبه بمشهد سرقة بنك ورهائن في أحد الأفلام….حشود من الناس تقف في الجهة المقابلة تشاهد ,,وسيارات دعم مركزي وشرطة تسد طريق فشلوم.
نعم .. يوم 16 كنت أنا ومحمد ندور في الشوارع في طرابلس … بحثاً عن شخصين يقومان بمظاهرة لنكون أربعة .. فجأة .. قفز في ذهني شخص ما .. حسام الوحيشي … بالتأكيد هذا الشخص يعد لشيء ما .. أو يقود تنظيم ما .. معرفتي بهذا الشخص تقول أنه لن يصمت .. كنت وصلت إلى بيته بالفعل في شارع الإلكترونات في الظهرة .. أتصلت به .. وإذا به يخبرني ” أحمد .. اتوسل إليك .. بالله عليك ما تجيني ” .. وفهمت الرسالة ” أنت وين ” .. أخبرته .. أجابني في فشلوم .. بأكثر مما تتحمله السيارة ذهبنا إلى فشلوم .. وهناك حدث الآتي :
بحث عن مكان لركن السيارة ,,,واتصلت بصهري الذي يدرس في في بريطانيا والذي كان قد أنشأ غرفة كبيرة في السكايب لنشر أخبار الثورة الليبية ,, اتصلت به واخبرته أن أول مظاهرة في طرابلس قد حدثت للتو, والخبر كان قد انتشر فعلا.
ركنت السيارة ودخلت الشارع راجلا, كانت المظاهرة قد انتهت بعد ما تدفق على المكان كل رجال الأمن بمختلف أجهزتهم …فجأة توقفت باص ونزل منها اشخاص يرتدون لباس مدني ,,ومعظمهم يرتدي شال أخضر ويحملون عصي ,,وهم يهتفون باسم القذافي ودخلوا مسرعين لفشلوم…كان وظيفة هاؤلاء نفس وظيفة القبعات الصفر ,,أن يدخلوا في أي مظاهرة وتنشبوا قتالا فيها ,وهم بلباسهم المدني وغير مسلحين, ليبدو الأمر وكأن الشعب الليبي هو من يرفض الثورة.وأن تلك الشردمة القليلة هي سرطان في نسيج الشعب المتلاحم.
دخلت الشارع….شعور غريب , تعرف أنه هنا كانت هناك مظاهرة فعلا تنادي باسقاط أسطورة الطغيان,,,ترى ذلك في وجوه من يحمل السلاح من رجال الأمن هناك , ترى ذلك التخبط في ملامحهم , والتوتر في تحركاتهم ,,,الأمر أكبر منهم , لا يصدقون أن هناك مجموعة من الليبيين وقفوا في وسط الشارع وقالوا” قذافي يا دكتاتور”,, منذ أربع وعشرين ساعة فقط كانت لفظ اسم معمر القذفي حاف علنا , شيء يحتاج لشخص سكران أو مجنون ,,,فعلا كان الأمر أكبر من فهمهم.
فعلا شعور غريب ,تلك الهتافات تحسن أنها فعلا مازالت موجودة في الهواء , وأول نسائم الحرية تلمس وجهك..وأن ينمو داخل الشعور أن هناك العديد والعديد غيرك وهم أشجع منك من يحملون الثورة على أكتافهم .
إذن .. لقد تحركت بنغازي .. وتحركت طرابلس .. بل تحرك الشعب الليبي بأكمله .. إن الثورة غداً قادمة .. وبشكل هادر .. أذكر أن صديقي التونسي فاروق عندما رأى بداية الثورة .. وأننا خرجنا بالفعل .. كتب لي على الفيس بوك جملة بسيطة ما زلت أذكرها للآن .. ” لقد فعلتوها يا أحمد ” ..
وقد كانت تلك هي ليلة مصافحة الثورة بالنسبة لي….
وللقصة بقية …
لم أعرف انكما نشرتما مذكرات عن الثورة.. بعدما صرخنا مرارا ان اكتبوا لنا شيئا 😀
قرأت هذا الجزء بكثير من الاستمتاع..