الطريق إلى السبعة وسبعين.

77

لم أجد مقدمة جيدة..
لنبدأ إذن…

………………

في يوم 19-05-2011 ليلا كان يوم خميس كنت ندبدب مروح للبيت , عندما أوقفتني نقطة تفتيش في ” شعبية السراج” مشكلة من متطوعي المنطقة بخيمتهم لتفتيش روتيني . انتهت بي تلك الليلة معتقلا في معسكر 77 الملاصق لمعسكر باب العزيزية…ومنه إلى سجن بوسليم , لأخرج يوم 21-08 عند تحرير طرابلس.

كنت عائدا للبيت لوحدي من زيارة لصديقي عبد الوهاب أشكال.
عندما أوقفني ما عرفت لاحقا أنه يلقب “زيكو”…زيكو شاهد اللاب توب بجانبي ” اوقف علي اللمين يا خونا”..توترت قليلا.
لكني نزلت ومعي اللاب توب واثقا من نفسي ..كوني وقبل عشرة أيام …داهمت كتائب القذافي بيتنا ..وقبيل تلك المداهمة قمت بعملية حذف شاملة للاب توب, صور لجنازة في شط الهنشير للشهداء يوم 20-02 فيديوات .حذفت إيميلاتي المخزنة …ثم حذف حتى المتصفحات التي كنت استعملها للولوج للفيس بوك وتويتر.

لهذا قدمت لاب توبي للضابط السمين وأنا ابتسم, وضع اللاب توب علي شنطة أحدى السيارات وقالي ” سامحنا يا خوي ..الله غالب هذا شغلنا” أو شيء من هذا القبيل ..طبعا رددت عليه ” ما عندكش مشكلة ..شوف شغلك”.
ثم بدأت أتوتر قليلا …الرجل كان متفانيا ..قام بإضهار الملفات المخفية أولا ..ثم بدأ في تفتيش كل المجلدات..وفتح كل الملفات صوتية ..نصية ..فيديو..لكن جهازي كان سلاطة ..مخلط من كل حاجة ..ألعاب ..أفلام ..مسلسلات ..إنمي ..دراستي برمجة وكتب وغيرها ..كتب روايات مجلات ..فقلت أن الرجل سيمل من التنقيب ..ويفتش ملف أو اثنين و يشكرني ويتأسف ويطلقني للبيت.
لكن الشخص الذي عرفت لاحقا أنه كان رائد في الأمن الداخلي كان أذكى من لفيف الحمقى من المطوعين في تلك البوابة ..كان يفتش على مهله..ومعها يظهري لي سعت معارفه..بدأ يسم لي في أسماء بعض الأفلام التي وجدها ..” اها هذا فيلم جوني ديب الأخير ..ما عجبنيش” ..

فجأة “ ماذا هذا“…كان هذا ملف وورد قام بفتحه هو …كان مكتوب في أعلاه
” ثورة 17 فبراير” …الموقف كان غريبا فعلا..
بدأ يقرأ في النص..كان كان عبارة عن مقال كتبته وتم نشره في موقع جريدة الجارديان الانجليزية يوم 17-02 تحت عنوان
آن للنظام الليبي أن يخشى غضبة شعبه” ..قمت بنشره في تدوينة سابقة تجدونها هنا …الجميل في الموضوع أنه وجده مترجما باللغة العربية ..:D
هو يقرأ ويقول ” يا سلام يا سلام “..
وأنا أصرخ في داخل دماغي ..لقد حذفت هذا المقال ..أنا متأكد..كيف نسيته يا غبي يا غبي..

التفت إلي وقد تحول لشخص آخر …وهنا بدأ التمثيل …بعد حوار لعشر دقائق ..اقتنع الرجل أني لا ناقة لي ولا جمل ..وأن المقال وجدته في بداية الثورة في أحد الصفحات فرأته لأفهم ماذا يحدث ..لأن وقتها -حسب تعبيري – كانت الأمور خاشة بعضها ولا نعرف ماذا يدور في بنغازي ..والاشاعات تتطاير.

صمت قليلا , ثم اتصل برقم ما اتضح انه عميد في الأمن الداخلي وهو خاله أيضا ..شرح له الموقف وقال له أن الشاب اليان أنه مش فاهم حاجة ..ولا يوجد شيء آخر في لاب توبه…وشكله نظيف وولد ناس.
يبدو أنه أخذ الموافقة من خالة …فأمام عيني قام بحذف ملف الوورد …
هنا بدأ الاحتفال في رأسي والزهو بالنفس ..لقد خدعت ضابط وعميد في الأمن الدخلي ..وها أنا عائد للبيت ..وغدا سأحكيها لأخوي وأصحابي ونحن نضحك.

لكن الضابط عاد للاب توب من جديد وهذه المرة بوعيد تشديد..” المرة الأولى سامحتك…سأبحث هذه المرة بتدقيق أكبر ..ولو وجدت أبسط شيء ..فيا ويلك”

هذه المرة كنت أبتهل ألا يجد شيئا آخر ..وعندما أعود للبيت ” الاما نفورم اللاب توب “.

هذه المرة كان الصيد ملف صوت ..للمتتبعين للفتاوي وقتها عرف مقطع الصوت هذا بـ ” فتوة الشيخ اللحيدان” ..كان أحد مشائخ السعودية المشهورين وكان في مطلع هذا المقطع يصف القذافي بالفجور والكفر ..ويشد من همة ثوار ليبيا …

عندها مددت يدي للضابط..” خلي القانون ياخذ مجراه يا حضرة الضابط.”

بدأت أهيئ نفسي للأسوء…واتوقع أسوء النهايات…التعذيب ..القتل .
كان ما يخيفني حقا أن أجر أخوتي وأصدقائي معي.

حتى تلك اللحظة كان الضابط متكتما على الأمر ولم يخبر باقي العصابة في البوابة بالأمر ..لكن بعد ذلك المقطع الصوتي يبدو أنه أحس بتأنيب الضمير ..بالإضافة لغضبه أني خدعته وكنت على وشك المغادرة …
تجمع علي الشباب ” زيكو” و ” رضى الربع” و” جمعة التاكيلا” ..والأخير كان في الخمسينات من عمره ..لكنه أعرب عن سفاة وحقارة في الألفاظ تفوق بها على باقي الشباب.

تم إدخالي للخيمة ..وكانوا هم قرابة الستة أشخاص…تناوبوا على استجوابي …حتى انهم استخدموا معي اسلوب ” Good cop/bad cop ” هئ…وجمعة التاكيلا في البداية كان هو الشرطي الجيد..كانوا يعتقدون أني من الممكن أن أقودهم لخلية أو تنظيم ما..في البداية تلطف معي ..وقال نعلم أنه شاب كويس وتحب ليبيا ..وانه قد تم التغرير بك من قبل ناس عملاء وبلا بلا…حتى أنه بدأ يحدثني بالانجليزي ..حتى يفهمني أنه شخص واعي ومتعلم وأنا جاريته..باعتباري شخص مغرر به…
لكن بعد محادثة لا بأس بها ..اتضح لهم اني شخص متلاعب لا أكثر…وعندها بدأ الاستاذ جمعا في السب والشتم لأهل الأرض والسماء ..وهنا تدخل رضى وهو شخص ذو عيون معروقة مخيفة لا سيما وأنه رائحته كان كالعنب..وسحب مسدسه ووضعه على ساقي ..وسحب الإبرة.
لم أجد إلا التلاعب خاطبت جمعة ” قوله ينحي المسدس من رجلي , والا مستحيل نتكلم”
ارجع رضى مسدسه ..
واستمر بعدها السباب منهم والكذب والتلاعب مني.
عند الساعة 2 ليلا تقريبا …انتهوا مني ..وضعوا في يدي الكلابشات الحديد خلف ظهري ..وأخرجوا تي شرت حمرا من سيارتي ..وضعوها على رأسي وعيني ..
ولوحوني في سياراتهم..سمعتهم يقولون ” ارفعه لـ سبعة وسبعين ” خبر سيء آخر …كنت لتلك اللحظة عندي أمل أني سأعود في ليلتها لبيتنا.

قبل أن تنطلق بنا السيارة..جاء زيكو الحيوان قرب السيار وبدأ يصخر ..” خلوني نفرغ في رجليه الرصاص..أطلقني عليه يا رضى ” ..وسحب اقسام الكاشن كوف الذي يحمله..
الفكرة أن غطاء عيني كان شفافا ..فرأت أنه ليس بقربي ..ولا أحد بجانبه..ولكنهم كانوا يعتقدون أني لا أرى ما يحدث…” كانت مجرد تسلية أخيرة ”

وانطلقت بنا السيارة إلى معسكر الـ 77 حيث ثم استلامي مع سيارتي واللاب توب…وقضيت هناك يوم ..طويل ..وأحداث كثيرة قبل أن أنقل منه لسجل ابوسليم.

لكن هذه قصة أخرى كما يقولون.

…………………

الصورة من تصميم وأهداء أخي عبسي  @absily

20 مايو، 2013

التعليقات

    الحمدلله على سلامتك ، والله عشت معاك القصة لحظة بلحظة كأني أني المشدود ! الحمدلله على سلامتك مرة ثانية يامحمد وفي انتظار التكملة …

    ههههه باهي جاتك في الريش … لكن هو ترقب المصير اللي يخوف بس الحمدلله والله انا ولد خالي قصته قريبة من قصتك وانحبس غادي والحمدلله طلع مع أن لو تأخر التحرير شوية ممكن كانت أمور سيئة بتصير

    “جاء زيكو الحيوان” من أبلغ وأجود ما قالت العرب هئ ..
    إن التعليق على تدوينة أصعب من كتابتها
    مغامرة تضاف لرصيدكم هو كل يوم ليبيا ادير في ثورة 😀
    وإن شاء الله خرجتوا منها سالمين غانمين
    🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *